aljama3a assolalya hammam elfougani

aljama3a assolalya hammam elfougani

مناحات ثكلى في ربيع التاريخ الفجيجي

محمد بوزيان بنعلي

 

مناحات ثكلى في
ربيع التاريخ الفجيجي

 

" سلسلة تراث فجيج " .. أسسها قبل عشر سنوات الأستاذ الباحث
العربي هلالي، وعبد ربه ( محمد بوزيان بنعلي ) تتوخى بالدرجة الأولى التعريف بتاريخ
فجيج بشكل يطمح إلى تغطية جميع الجوانب الإنسانية  التي انفعلت بها ، وتفاعلت معها
.. إصدارها الثامن والأخير في هذه السنة جاء تحت عنوان " فجيج تحت الحماية الفرنسية
: 1912 ـ 1927 " .. لم يكن ككل الإصدارات السابقة ، فلقد أثار موجة من ردود أفعال ،
كان أغلبها ـ والحمد لله ـ إيجابيا إلى أبعد حد ، ليس أبرز علاماتها ، أن يكون
موضوع  لقاء علمي هادئ على هامش المعرض  الثامن عشر للكتاب بالدار البيضاء ، مساء
سبت الحادي عشر من فبراير 2012 ، ولا أن يقرظه كوكبة من الباحثين ، ولا أن يتصل بنا
المهتمون مهنئين ، ولا أن يقبل عليه القراء حتى نفد من بعض المكتبات ، وكاد من
بعضها ...

أما المرجفون الذين لا يفرقون بين التاريخ وبين ما يمارسونه
من ثرثرة ونميمة كل مساء أمام المحلات التجارية وقوارع الطرقات ، فقد افترشوها
يشقون جيوبهم ويولولون كالثكالى على حشد أسماء أشير إليها في معرض إثبات ظاهرة ، أو
حالة ، خيرا كانت أم شرا ،  كما يفعل كل من يكتب تاريخا .. أسماء آلت إلى رحمة الله
، واختلطت بعرق الثرى ، ونسيها الأبناء والأحفاد .. هي عندنا بالتأكيد هيّان بن
بيّان ، أو مثل " الإيكس " عند غيرنا .. لكن نفوسهم المريضة انتهكت حرماتها في
مراقدها الآمنة ، ودفعة واحدة ابتعثوها منها ، وجمعوا أشلاءها النخرات ، واستخرجوا
لها شواهد الميلاد ، وصنفوها في شجرات الأنساب ، وأعادوا إليها روْق شباب وفتوة ،
ثم جيشوا كل امرئ حسبوه من رهطهم ، وتخيروهم من السذّج الطيبين ، زاعمين أنهم
يحترقون أسى ، ويتحركون لوجه الله ـ لا لغيره ـ غيرة على البلاد والعباد  .. ونسوا
أننا لم نخترعها ، ولم ننقل عنها إلا ما وثقته الوثائق والتقاييد .. ولو تصفحوا بعض
الأعداد السابقة ، ولا سيما منها ( ديوان الفجيجيين ) لوجدوا فيه إشارات وإثارات ،
وتجارب مجترحات ، ونبرات ساخطة حانقة .. ومدى فسيحا من الصدور والأعجاز فيها المضحك
والمبكي .. ولو شئت تقريب الصورة لقلت : إنه ليس ديوان الفجيجيين .. بل سجل حياة
الفجيجيين بياضها وسوادها .. ولا يؤكد كل هذا إلا شيئا واحدا ، هو أن هؤلاء
اللاغطين المتمرتسين وراء السذّج الطيبين لا يقرؤون ، ولو قرأوا لأثاروا زوابع
وأعاصير، ولتأشبوا  من زمان على إجهاض مشروعنا ، وهو بالضبط ما يسعون إليه اليوم ،
فانطلقوا وهم بتخافتون ، ثم انطلقوا وهم يقذفون بحمم من العبارات النارية ،
يستنسخون الأوراق ، ويوزعونها  في كل اتجاه ، ثم داروا على أنفسهم يشقشقون كالبعران
، وينعبون كالغربان .. وقديما كانت لإبراهيم الفجيجي تجربة مثلها ، فأوصى أحباءه
الكيسين أن لا يلتفتوا وراء ولو طُعنوا ، ومن يُطعنْ من الخلف فاعلمْ أنه في
المقدمة ، قال رحمه الله :

 

تنبّـهْ فإن الحـق كالشمـس ظاهـــــر         ولا تلتفـتْ
لكلّ مـا أنت سـامـــــع

وإن عكّـروا أو أنكروا ، ثم أكثـروا                
ونـقّـتْ بـلـومـهـا عليـك الضفـادع

وشـقـشـق منهم كـل جـلـْف وأبلـــه         وصـرّح
بالـتحريـج ، أو أنّ شاكـع

بـذيّ ، ولــوع بالإذايـة ، بـرشــــع         لـه بـيْـن
فـقْـمـيْـه الكـريهـيـْن لاسـع

فأعرضْ وقل : سلّم ، سلام عليكـم          فـمـا أُسكتـتْ
بمـثـل ذاك الصفـاتـــع

 

ومما يؤسف له في تاريخ فجيج أن بعض أهلها يريدون من كل باحث
فيه أن يكون مؤرخا رسميا وديعا مسالما ، ينتقي المعطيات التي تدخر لفجيج جمالها
ورواءها ، ويحفظ لأهلها بياضهم وسمعتهم ، ويطمس كل الأخبار التي تشاغب في تاريخنا
وتدنسه ، ولو تواترت في عشرات الوثائق ، حتى لا يتصوح ذلك الاخضرار الذي سارت بذكره
الركبان ، و لا يتأثر رصيدنا من دنيا أخلاق ، ووفرة أرزاق ، وفوق فكيك ، والعمرة
الصغرى ، ومكة المغرب ... وهلم جرا إلى آخر هذه النعوت المعجبة التي تتأبى
الاستقرار في منطق التاريخ ، ولم نحصد منها إلا شوكا وصابا
..

ثم إنه من حق الأجيال علينا أن يعرفوا تاريخ واحتهم كباقي
الأمم والشعوب .. من حقهم أن يفهموا ماذا جرى غداة الاستقلال في قصور فجيج وأطرافها
وجوارها ؟ أن يستوعبوا ماذا فعل جيش التحرير في المنطقة ؟ أن يعرفوا مظاهر التنافس
الخفي والجلي بين أكبر قوتيْن في فجيج : زناقة والوداغير ؟ أن يستوعبوا لماذا
تهافتت عدد من الأسر على ادعاء الشرف ؟ وادعى بعضها انتسابها إلى أعلام متميزين
كالفاروق أو الصدّيق ؟  من حقهم أن يدركوا الأسرار الكامنة وراء تخصيص ابن أبي
محلّي كتبا كاملة في محاربة الشيخ السماحي رحمهما الله ؟ فرماه بالمنجنيق ؟ وجهز له
سم ساعة ؟ وسنّ الإصليت الخريت ؟ ولوّح بالسيف البارق ، وسلّ السهم الراشق ؟ ونادى
على الفضّاح الفضّاخ ؟ ... من حقهم أن .. وأن ... من حقهم  ـ باختصارـ  أن يعرفوا
تاريخهم  من الوثائق والمستندات لا مما يزوره ذوو الألسنة الطويلة الموتورة ..
والتاريخ هو المخلوق الوحيد الذي يقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت ، ويجمع بين
نفايات الأخبار ونُقاواتها ، ويحوم كالقدر على كل مجلس في غير هيبة ولا نفاق ولا
تزاويق ..

أتذكر جيدا أن أحد شيوخ الفقه الغيورين الذين أجلهم وأحبهم
كثيرا ـ أبقى الله بركته ـ  ألح علي ـ من جانب أخلاقي صرف ـ في حذف إحدى القصائد من
" ديوان الفجيجيين " ( وهو العدد السادس من إصدارات السلسلة ) لأنها تختزن في
سطورها قصيدة فاحشة أو اثنتيْن لم يتفوه بهما عتاة المجون وأوتاد الفحش في الشعر
العربي ، وهما كفيلتان أن تجللا الرؤوس بأتربة وسخة تُرى كنار على علم من بعيد
البعيد .. ولا أدري هل أقنعته بضرورة بقائها في محلها رعيا لمقتضيات البحث العلمي
أو لا ؟ المهم أنها بقيت كما نظمها صاحبها الشاعر أحمد بن عبد الرحمن بن بودي ،  و
كان فقيها متضلعا .. وإن ما فعله لا يحط من قيمته ، ولا يطعن في منزلته العلمية ؛
لكونه لم يخرج عن " الإحماض " و الاسترواح الذي يهرب إليه الفقهاء والعلماء عادة
بعد جلسات طويلة من حك المسائل الفقهية والنحوية التي كانت تتميز باليبوسة والصرامة
، وإنهاك العقول ..

ورحم الله أجدادنا ، فلقد كانوا مصرين على اعتبار فجيج "
حاضرة " لها سوءات ومحاسن ككل الحواضر في أرض الله ، ولم تك بادية بني سعد تنتج
الفصاحة والشهامة والفضيلة .. ولم يركبهم زيف العظمة الفارغة ، ولم تأخذهم الشفقة
الكاذبة الخاطئة على مدينتهم ، فذكروها على ما تشعبت إليه شرائحها الاجتماعية ،
ونقلوا إلينا بعين صاحية صافية ما عاشوه وعاينوا ، دون أن يتحسسوا البديع من الحروف
، أو يتخيّروا الحلو من الألفاظ .. ومن يسخطْ أو يقنطْ ينتقلْ إلى وطن جديد ..
والذي يطالع الديوان ـ مثلا ـ سيعرف عنها تفاصيل أوسع .. ومن تاريخنا الفسيح أنقل
لهؤلاء الثرثارين المتفيْقين أن حادثة الإفك التي اتهمت فيها أم المؤمنبن الطاهرة ،
الصدّيقة بنت الصدّيق ، عائشة رضي الله عنها ، شاعت في أمهات الكتب بأدق تفاصيلها
، وعلى الرغم من إجمالها في القرآن الكريم ، فإن الرسول عليه السلام لم يأخذ
مبادرة إخفاء اسمها ، أو التستر عليه ، خوفا مما قد يلحقها من ضرر اجتماعي ونفسي ،
فكثر اللغط ، وثارالقيل والقال ، حتى نزلت براءتها من السماء .. والرسول عليه
السلام نفسه هجاه المشركون بشعر لم يمارس عليه التاريخ أي حصار ، ولم يقطع أوصاله
بمقص رقابة .. وماعزُ ـ رضي الله عنه ـ قدمه لنا التاريخ مؤمنا عاصيا صرح بزناه ،
ولكنه تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم .. وبلال بن رباح لم يكن شريفا ولا زعيما
صوفيا ، ولكنه خير عند الله من ملايين الشرفاء والمتصوفين الذين انحرفوا وحرّفوا ،
ودنسوا الدنيا بأباطيلهم .. وما أحد من الأمويين ودّ أن يسمع عن يزيد تلك الخزايا
المبثوثة في كتب التاريخ .. وودّ أعقاب الشيخ عبد القادر السماحي لو تشل يد ابن أبي
محلي قبل أن يروّج ما روّجه عن جدهم .. وودّ .. وودّ .. و قيسوا على ذلك أيها
المتخبطون في الظلمات .. من روعة التاريخ أنه مثل الزئبق يفلت من الأيدي التي تريد
أن تضيق عليه ، أو تمسك بتلابيبه لتؤدبه أو تروضه ، أو توجهه إلى حيث منفعة أو هوى
..

كنا نتمنى أن يسلك هؤلاء مسلك إخوانهم المتنورين ، الغيورين
حقا وصدقا ، فيطردوا عيونهم الرمداء وراء مبحث القطاع الصحي ليقارنوا بين حال
مستشفى فجيج في القرن الواحد والعشرين ، وما كان عليه من فراهة وأبهة في عهد
الاحتلال جعلته أحسن مؤسسة استشفائية في المنطقة ، فيتحركوا لوجه الله في فك العزلة
الصحية عن فجيجهم ؟!!! .. ونرجو ألا ينحاز إليهم المسؤولون فيتهمونا بالخيانة
الوطنية وتمجيد الاستعمار، كما يتهمنا هؤلاء بقذف الأجداد ورمي المحصنات ، وبيننا
وبينهم عمر لُبد.. كنا نتمنى أن يتأملوا عظمة أولئك الذين لم يروا فيهم إلا ما
توهمت عقولهم القاصرة ، كيف عاشوا متشبثين بوطنيتهم منذ وقت مبكر ، فحاربوا
المستعمر ، وقاطعوا تعليمهم الفرنسي رغم العنت الشديد الذي لحقهم .. كنا نتمنى أن
يستلهموا من النشاط الاقتصادي الرائج الزخّار آنذاك ما يكون لنا نبراسا في إنقاذ
هذه الواحة المسكينة من الهشاشة التي تهوي بها من  حضيض إلى حضيض .. كنا نتمنى أن
يستلهموا كيف كان أولئك الآباء القوابس يتجاوزون مشاكلهم عند النائبات، ويلتفون حول
وحدة الصف والكلمة عند الملمات ، فينطلقوا على قلب رجل واحد لتحديد مكامن الداء في
هذا الواقع المشروخ المشلول .. ولكن الداء لا يمكن أن يصير دواء إلا عند أشباه أبي
نواس ، وهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟

ولأنهم كذلك ، ولأن بعضا منهم موتورون من إشارات تاريخية في
كتب سابقة ، فقد تحاملوا علينا ، وشهروا في وجوهنا إصليت ابن أبي محلي ، وقذفونا
بمنجنيقه لأجل اسم جاء على غير ما يشتهون ، أو شريف  ظلم نفسه فتوهموا أن التاريخ
ظلمه ، أو نسب حقيقي ورد على غير هوى عقب يتبختر في بحبوحة شرف زائف ، أو قصْر
أهمله خموله وجموده ، أو قبيلة انحرفت وزاغتْ  .. زاعمين أن مثل هذه المعطيات تسبب
حكة الأجرب للجسد الفجيجي برمته . فالجواب على هؤلاء أن التاريخ ليس مزارع
يمتلكونها ، وما نحن بستانيين تحت سياطهم نزرع لهم ما يتمنون ويشتهون ، ومن تصبه
الحكة يستشر الطبيب ..

هؤلاء لا يتمنون أن يطفو تاريخ فجيج على سطح مكشوف .. إنهم
يريدون أن يزيفوا التاريخ بأقلامنا .. أن يوجهوا مساره بمجادبفهم المعوجة.. أن
يضعوا لنا خريطة طريق تهدينا إلى تاريخ يفصلونه على مقاساتهم الضئيلة البئيلة ،
التي تعظم في عيونها الصغائر .. أما الأرفع قامة فإنه دائم التطلع إلى أعلى
المقامات ، ومعالي الأمور.. وتصغر في عين العظيم العظائم
..

أرثي لهؤلاء الذين حاصوا حيصة الحمر المستنفرة ، فرت من
قسْورة ، وداروا حول هُبلهم ولاتهم ، واحتملوا من أعباء التشهير العنيف حتى قدموا
شكاية ضدنا ، و ضد كتابنا ، و ضد الوثيقة ، التي مر عليها زهاء قرن ، والتي لم نزد
على نقلها بأمانة شرْويْ نقير.. ولو يُحاسب الباحث بما ينقل من الوثائق لفسد أمر
البحث العلمي ، ولعاد التاريخ تجارة رخيصة ، أو سبيلا ممهّد الأكناف يطؤه المحسن
والمسيء ، والفاضل والفاجر على قدم المساواة ..

إن التاريخ هو الدنيا بكل تقلباتها ، فيه السواد والبياض ،
والحلوة والمرة .. إنه نقد ونقض في نفس الآن ، وثمة طائفة من الفجيجيين ـ كهؤلاء ـ
لا تتقبل تاريخا هذه مواصفاته ؛ فهم يخترعون طابوهات ، ويخطون خطوطا حمراء ؛
فالسلالات الشريفة يجب أن تبقى شريفة إلى الأبد ، والمرابطون مقدسين إلى الأبد ،
والعلماء بلا أخطاء إلى الأبد ، والناس لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
إلى الأبد .. كل شيء يجب أن يبقى على ما كان عليه ، وعلى الصورة التي زورته بعض
الروايات الشفوية الحديثة ، ولو أثبتت الوثائق عكس ذلك بالتواتر القطعي ،لأنهم ـ
كما سبق  القول ـ مستنيمون في استرخاء إلى ما تتناقله الذاكرة الشعبية التي شاخت
وأصبحت ناكرة ، وتعرضت للتزوير والتدليس .. وإن الوثائق المحلية تبين وستبيّن أن
عددا مما تداولته غير صحيح ، وأنها ـ بالتالي ـ في حاجة إلى تشريح وتنقيح وتصحيح  ،
ورؤى دقيقة موثقة باستغراقاتها وتفاصيلها ..

والحقيقة أن هذا بالذات ما هدفت إليه السلسلة منذ إنشائها ،
أي تحرير تاريخنا مما علق به من رواسب حرفتها الرواية الشفوية عن قصد أو غير قصد ..
وهو بالذات ما يؤرقهم .. ومن أجله أثاروا الزوبعة ..

ولكن .. أن يثير كتاب ما زوبعة يبقى ظاهرة صحية مطلوبة
أحيانا ، ولسنا منزعجين لذلك ، لو لم نكتشف أن وراءها بعضا يحسبون على الثقافة ،
وحتى التوجيه الديني ، والسمعة الحزبية ،  حركتهم ثارات قديمة ، وحسابات شخصية ..
وما أن سنحت لهم فرصة تسويتها ، حتى اهتبلوها ها هنا متسترين خلف ضحايا طيبين ،
قدموهم للواجهة ، وجعلوهم طعما مرّا حرّيفا لم يعلق به صيد يسمن ويغني .. ثم وسعوا
الدائرة بتسويقها في ياقي القصور، إذ راحوا يسألون عن الأجداد والقعادد ، والقبائل
والأفخاذ المشار إليهم في الكتاب ، بهفوة سجلت عليهم لم نرمْ من ورائها تشهيرا ولا
تنقيصا ، حتى يجهضوا مشروعنا ، ويثيروا بلبلة وفتنة يعمقون بها شرخ الواحة ،
ويزيدونها تشظيا وتشرذما أخزى مما هي فيه .. وإنْ يكن هذا مرادهم ، فتعسا لهم وسحقا
من فجيجيين مزورين دماء وجذورا !!

كتبت هذا وصاحبي في التأسيس والتأليف الأستاذ العربي هلالي
هادئ كجبل الملياس ، لم تحرك هذه الزوبعة شعرة في رأسه الأشيب الوضيء ، ولا علقت
بها ذرة من غبارها المنتن ، فتذكرت حكمته التي تلجم قلمي عن كل رد يتحمس له :
القافلة تسير ...  ويربأ أن يزيد ؛  ولهذا لم أخطره بما أنا قادم عليه ؛ لأن حماس
قلمي للرد كان أعتى من كل إلجام وإحجام ونكوص .. ورب ضارة نافعة ، فأنا الآن أحس من
سغان قلبي أننا يدأنا نعيش مرحلة جديدة من تاريخ فجيج ، قد يصلح أن نطلق عليها
اقتداء بغيرنا في هذه الموجة الصارخة التي اكتسحت العالم العربي : " ربيع التاريخ
الفجيجي " وإنه لربيع الإيراق والإزهار والإثمار.. والثمر خليط  ، فيه ناضج وفاسد
.. فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
..

وما اكتأبت ، ولا ابتأست لشيء في كل ما حصل مثلما اكتأبتُ
أن يتولى كبر هذا الإفك مثقف له منبر وإدارة ، ولولا أن زعامة جده التي اختفت من
فجيج منذ أزيد من أربعة قرون ، كانت تنحو في بعض اتجاهاتها إلى إصلاح ذات البيْن ،
وتربية المريدين ، لخمّنتُ أنه يتطلع إلى إحيائها من جديد .. ولكن شتان وهيهات !!
.. وثانيهما رجل عمّره الله فوق السبعين ، كان يهش لي ويبش ، أقدره ويقدرني .. فضلا
عن خروجه في كل صباح ومساء يظله بفجيج من دروب قصر أعتبره كرشي وعيْبتي ، وأرى أهله
الآن ـ عدا الراشدين ـ ينسلون إليه من كل حدب ، ولقد انفض عنهم وهم لا زالوا
ينسلون.. وثالثهما ورابعهم  صديقان من عمري ولغا في الفتنة بخفة ونشاط ولغ الكلب في
الإناء ، وأنا أعاملهما في غفلة مما يجترحان كإخوان أصفياء أخلاّء ، والأخلاّء
يومئذ بعضهم لبعض عدو إلآ المتقين .. ومن حسن حظي أن التراب في فجيج  لا يزال كما
كان من زمن إبراهيم بن عبد الجبار كثيرا بلا ثمن ، يسع لسبع لا لواحدة .. وأعتقد أن
الأوان آن لغسل إناء صداقتي حتى لا يلغ فيه أحد بعد.. أما المراهق الذي لا يكف عن
بيع اسمنا بخسا في أسواق النميمة تارة والحسد آونة ، فللمراهقة أحكام تمنعنا من
ملاحقته بكلمة ..

وحسب هذه الجهة التي تقف وراء ذاك الهراء والخواء أن يفهموا
أن مخزن الإصرار امتلأ ، ومنسوب الإرادة ارتفع ، وتربة الكتابة اهتزت وربت ، وعن
قريب ستنبت من كل زوج بهيج .. وقد يطولون السماء ولا يأخذون منا تراجعا عما نحن فيه
من مشروعنا " سلسلة تراث فجيج " .. فهو يشق طريقه الآن بعد ثمانية إصدارات ،
وتاسعهم وعاشرهم سيترادفان قبل الصيف ، وكلها  مرفوعة الهامة والقامة ، تنشر
الفرائد والغرر والفوائد ، نشرا يحمل القوم على التأويل والتفسير والتخريج والسهر ،
فسهر مفيد كالنعم ، أوسهر مبيد كالنقم ، ورحم الله أبا الطيب حين يقول
:

 

أنام ملء جفوني عن شواردها       ويسهر القوم جرّاها
ويختصموا

 

وإني لما تأملت ما سبقني إليه يراعي الحبيب ، تذكرت
محادثاتي مع الإخوة الصادقين هنا ، واسترجعت اتصالات المحبين التي لم تنقطع بعد من
خارج هذه الواحة العزيزة ، كلهم قالوا مثل ما قال الهلالي ، عاتبت نفسي ؛ لأني
ملْتُ عن سمتهم ، وقبلهم عن سمت الإمام سيدي عبد الجبار الفجيجي ، حين عاب على
المفسر المشهور الإمام القرطبي ، رده على الحلولية والحشوية ، قائلا : " لقد أطال
الشيخ مع هؤلاء الكلام والاحتجاج في شيء لا طائل تحته ، بل تمجه الأسماع ، وتنفر
منه الطباع ، وتقطع بمجانة قائله لأول وهلة العقول والنقول والإجماع ، وتجل الأوراق
والأنقاس والأقلام أن يسطر ما بها عاقل في كتاب ، أو يمضمض فاه بذكرها أو يفحمهم
بجواب .، بل يضرب الذكر صفحا عن مخاطبة الحمقى ، ويعرض ازدراء عن نقض غزل الخرقا ..
والله يدعو إلى دار السلام ، ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
."

وهؤلاء إن لم يكونوا حلولية ، فهم حشوية ، يحشون كلاما
بكلام ، وحالا بحال ، يطالعوننا بوجوه باسمة ، وقلوبهم مربادّة  كالكوز  مجخيا ،
وأنا في وسطهم مثل جميل بن معمر، لا أرى إلا أسنانا حادة صفراء توهمْتُ أنها تبتسم
لي :

 

يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا     ولو ظفروا بي خاليا
قتلونـــــــــي

 

قاتل الله ذا الوجهين ، ومن يحاول أن يركب في صدره قلبيْن ،
والله تعالى يقول : " ما جعل الله لرجل من قلبيْن في جوفه " .. ولكنهم على كل حال
ليسوا حمقى ، ولا غزلهم كغزل الخرقاء ، فقد استطاعوا ـ كما استطاع مسيلمة الكذّاب
من قبل ـ أن يجذبوا إلى حلقتهم ثلة من أصدقائنا ، وتلامذتنا القدماء ، والمعجبين
بخطبنا في الجمع الأعياد ، ودروسنا في الوعظ والإرشاد .. ولأنهم مثقفون عارفون ،
فإنهم قد يحنقون والرأي فطير والغرارة لم تُفرزْ ، و لكنهم حتما سيثوبون إلى رشدهم
قريبا إن تثبّتوا وميّزوا ، ووزنوا الأمور بميزان المنطق والواقع ، وقرأوا كتبنا
للتاريخ لا لثأر دفين ، أو ضغينة طووْا عليها كشوحهم ، ويستيقنون أن ما أثير جعجعة
بلا طحن ، فيفرغوا من ضيعتهم ، ويلحقوا بأهلهم ، ويدعوهم ينعبون وينعقون ويجعجعون
..  ويستنسخون ويتاجرون .. وحسبهم خسرانا أنهم سيبقوْن أحدوثة شر دائمة ، وإن زالت
فلن تزول أدرانها ونواقصها ونواقضها ..

ومذمتنا لهم  قول أبي الطيب المتنبي رحمه الله
:

وإذا أتـتـك مـذمـتـي مـن ناقـص            فـهـي الشهـادة
لي بأنـي كامــــل

والكمال لله لا غيره ..

وتحذيرنا للذين اتبعوا ـ تبيّنوا أو لم تبيّنوا ـ مارواه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف
ما أخاف على أمتي كلّ منافق عليم اللسان " .. وكل منافق عليم إنما هو من الفرق
التي دعا عليه السلام إلى اعتزالها ، كما في صحيح البخاري ، من رواية الصحابي
الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ، قال :  كان الناس يسألون رسول الله صلى الله
عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني ، فقلت : يا رسول الله ،
إنا كنا في الجاهلية وشر ، فجاءنا الله بهذا الخير ، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال
: ( نعم ) . قلت : وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال : نعم ، وفيه دخن ) . قلت وما
دخنه ؟ قال : ( قوم يهدون بغير هديي ، تعرف منهم وتنكر ) . قلت : فهل بعد ذلك الخير
من شر ؟ قال : ( نعم ، دعاة إلى أبواب جهنم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها ) . قلت :
يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ فقال : ( هم من جلدتنا ، ويتكلمون بألسنتنا ) . قلت :
فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال : تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت : فإن لم يكن
لهم جماعة ولا إمام ؟ قال : ( فاعتزل تلك الفرق كلها ، ولو أن تعض بأصل شجرة ، حتى
يدركك الموت وأنت على ذلك ) ..

وليكن الختام محاولة شعرية ، أوجهها إلى كل منافق عليم
اللسان ، وإلى فنّاني الشر ومهندسي الفتن ، وصرعي البغي والحسد ، الذين يشمئز منهم
قلب فجيج ، ويلعنهم تاريخ فجيج ، وتتركهم القافلة متحلقين على مجمرتهم
:

 

أرى نـقـبـاء الـشــر حــاصوا و جعـجـعـــوا              
وصـبّــوا عـلـى الأسمـاع لـغـوا مـرجّعــــا

وطـاروا بـه مــن حــاقــد إثْــــــر
حــاقـــــد               عـلـى ســـنّ ذا ســمّ يـســيـل
مـنـقّـعـــــــــا

وفـــي يــد ذا قـرطــاس إفْــــك
مــــرقـــّـط                ومــذْربُ ذا يـحـكـي أعـاصـيـر
زعـزعــا

نـمـتْـهـمْ دكـاكـيـــن الـنـمـيـمـة ،
أشـــربـتْ               قـلــوبـهـمُ عـجْـل الـخــلاف
خـواضـعــــــا

يريـدون تـاريـخـا عـلـى مـثـل
قــدّهــــــــم                 ضـئـيـلا ، بـئـيـلا ، لا يـروق
سـمـيـدعــــا

 

******

 

لنـا قـلـم يـنـبـو ، ويــــزْورّ سـاخـطــــــــا        
إذا مـا دعـــاه الـقــوْم أن يـتـصـنـّـعـــــــــا

ونـحـن بــه فـي روضــة أقْــحــوانــهـــــا        
يـطـيــر شــذاهــا للـغريـــب مـضـوّعـــــا

يـحـفّ بـنـا فـي كـل يـوم ولـيـلـــــــــــــة         
قـوابـس مـثـل الـبـدر بــات مـشـعـشـعـــــا

بـهـم ثـبّـت الـبـيْـتُ الـفـجـيـجـيّ ركـنــــه         
وزاحـم في العـلـيــاء فـاسـا ، وأبـدعـــــــا

وطــار بـه الـركـبـان فـي كـل وجـهــــــة        
وأعـطــى رجــالا للـمــراتــب طُــلّعـــــــا

عـمـائـمـهـم بالعـلــم لـفـّـتْ ، وبالـتـقــــى         
بـهـا مـلـكـوا ذاك الـجـنـاب الـمـمـنّـعـــــــا

فـأوْكـوْا سـقـاء الـشـر لـم يـهْــم قـطـرُهـا         
ومـدّوا إلـى الـجـوزاء هـامـا وإصـبـعـــا

فـرشـنـا لـهـم عـهـدا ، فلسـنـا نـخـونـــــه         
لـنـرْضـي مـهـذارا ، ولا مـتـسـكّـعـــــــــا

إذا كانت الحسنى تـجـيـئــون شـــُـرّعـــا :        
بـنـيـتـمْ مـن الـتـاريـخ مـا كــان بـلـقـعـــــا

أجـدْتـم ، فـسـيـروا ، سـدّد اللـه خـطْـوكـم         
وحـقّ لـنـا أن  نـزدهـيـكـم ونـرفـعــــــــــا

فـزيـدوا ، فـأنــتــم للـمـديـنـة
مـشـعـــــــل                 وإنْ كـانـت الأخـرى ، تـسـبّــون
أربــعـــا

فـسـبّوا، وسـبـوا ، ثم سـبـّوا ، فـلـن تـروْا        
يـراعـتـنـا إلا هـديــــرا تـنــزّعــــــــــــــــا

فـهـــــذا هـــو الـتـاريـخ ، يُـعـطــي ولاءه        
لـكــل أصـيــل بـالـوثـيـقــــة أســـرعــــــــا

يـنـكّـس أبـصـارا ، ويـســمـو بـمـثـلــهـــا        
ويُـضـحـك أسـنـانـا ، ويـسـفـح أدمــعـــــــا

لـه بـسـطـة فـي الـعـلـم والـجـسـم ، مـارد         وليس
لــه إلا الـحـقـيـقــــة مـهْـيــعـــــــــــا

يـطـل عـلـى الأمــوات مـن ألـف شــاهــق                
ويـمـشـي مـع الأحـيـاء صـيْــفـا ومـربـعـــا

 

******

 

لـقــد رابـنـي أن مـرّ عـــــام ولـم
يــقـــــع                 بـسـاحتـنـا سـهـم ، ولـم نـلْـق
مـدفــعــــــــا

فـمـاذا جـرى للـحاقـديــن ، تــأخـــــروا ؟         كـذاك
بـهـم عـهـدي : طُـفـيْلُُ وإمّــعــــــــا

ومـن عـجـب أن الـذيـن اعـتـبـرتُهـــــــــم        
أخــلاّي غـاصـوا في الـسـعـايـة كُــرّعــــا

سـأبـقـي عـلـى طـول الـمـسـافـة
بـيـنـهـــم                 وقـد كـنـت مـن فـرط المـودّة
ألــكــعـــــــا

أذلّل نـفـسـي للـكـــرام ،
وهـمّـتـــــــــــــي                تـخـضـخـض قـهـرا مـن أسـاء
وأقـذعـــــا

فـدع إخــوة الشيـطــان يـرغـوا ويـزبــدوا                
وذرْ كــل مـغـتـاب خــلالــك أوضــعــــــا

سـهـرتـم ، ونـمـنـا غـانـمـيـن
أجــوركــــم                 فـدومـوا كـمـا أنـتـم : حـفــاة
ورضّـــعـــــا

لـنـا قـلـــــم لا يـنـحـنـي مــن كـلالــــــــة        
وإن هـاجـت الـغـوغـاء لـن يـتـضعـضعــا

لـديـنـا مـن الأحــلام كـنـــز نـطولـــــــــه        
إذا بـسـط الـوهـاب في الـعـمْــر مـقـطـعـــا

دعونا ، دعـوا التاريـخ ، ربّـي وكـيـلُـكــم         أرى
كـل نـقـص فـي حـمـاكـم تـجمّـعـــــا

لـكـم خـلـوات يـأنـف الـمـرْء أن
يُـــــــرى                 عـلـيـهـا .. رويْـدا فالـنـجـاح لـمـن
سـعــى

جـمـاعـة أنـذال صـغــار
تـمـــالــــــــــؤوا                وتـاسـعـهـم كالـكـلـب بـالـبـاب قـد
قـعـــــى

فـجـيـج تـعـاف اللــؤم ، والشـر ، والـخنـا         ومـن
رامــهـــا بالـخـيـر تـلْـقــاه أرفـعـــــا

ومـن
يــــك للـشـيـطـان عـوْنـا فــإنـــــــــه               يُـرتّــب
والـشـيــطــان فـي قـــرن مــعـــــا

 

*********

 

لـئـن كـنـت ذا حـق فـجـئـنـي مـحـــادثـــا         
بـوجـه صـديـق أو نـصـيـح ، فـأسـمـعـــــا

أسـبْـع سـنـيـن عـشـت فـيـهـا مـخـاتـــــلا         
تـروح وتـغـدو في النميمـة أضْــرعــــــــا

سـيـنـصـفـنـي التـاريـخ مـنـك بـعـدلــــــه         
ويُـضـحـكـنـي ربـي عـليـك مـمـــتّـعــــــــا

ويـذكـرك الـتـاريـخ فـي شـر مـحـفــــــل         
وتـبـقـى عـلـى مـر الـزمــان مــقـطّعــــــــا

ويُـدرك خـيـلـي مـا جـمـعْـت لـغـارتــــي         
ونــقْــس يـراعـاتـي يـقـضــك مـضـجــعـــا

مـن اللـؤم أن تـرقـى المـنـابر داعـــيـــــا         
ومـا بـعـدهــا إلا الـدنـيّــة مـنْــزعــــــــــــا

هـنـيـئـا لأوبـاش ، عـرفْتُ بـهــم عــــدى         
بـذلـتُ لـهـــم صـفـــو الــوداد مـشـعـشـعــا

فـلا أوّل الــجـبّـــــار شـمــل مـداهـــــــن         
يـهـــبّ رخــاء ، ثـم يــحْـتــــدّ زعــزعـــــا

لـحـا اللـه قـومـا يـدّعــون ثـقـافــــــــــــة         
ويمـشـون بـيـن الـنـاس بالـعـيْـب ظـلّـعـــــا

لـحـا اللـه قـومـا يـدّعــون ثـقـافــــــــــــة         
وشــدوا عـلـى عـيْـن الحـقـيـقـة أنْـسُـعــــــا

فـآه عـلـى الـدنـيـا إذا صــــار مـثـلـهــــم         
خـطـيـبـا ، وأسـتـاذا .. وتـبّـا .. ولا لــعـــــا

 

******

 

تـغـيّــرت الـدنـيـا بـفـــــجّ
فـجـيـجـنــــــــا         وصـار لــزامــا أن يـهــاجـــر مـن
وعـــى

فـفـيـهـا عـيـون اللــؤم جـامـحــة الـرؤى          
وفـيـهـا أيـادي الـشر ، سـهـمـا مـشــرّعـــا

وفـيـهـا عـقـــول مـقـفـرات مـن الـهـــدى         
يـسـقْـن جـسـومــا خـاويــات  سـرعــرعــا

أخـاف عـلى الأخـيـار مـن شـطـحـاتـهـم           فــإنّ
غـدا يـبـدو جـحـيـمــا و مـفـجـعـــــــا

سأرصـدهــم فـي كـل سـهـل وتـلـعـــــــة          وأفـتـح
أشـعـاري ونـثـري مــلـعـلـعــــــــا

وأفـتـح نـاري مـن أمــام ، وأعـتـلـــــــي          عـلى
صهـوات الـهـجــو خـلـف مـن ادعـى

وأرحـم مــن نـاري غـريـرا وجـاهــــــلا          وأغـلـق
فـيـهـم مـا اسـتـطـعـت الـذرائـعـــا

 

******

 

فـقـبـلي ، أبــو إسـحـــــاق قــــال مـنــدّدا         
بـقـتـل حـكـيـم جـاء بالـحــق صـــادعــــــا:

" وخـيْـرُ بــلاد اللـه فـجّ فـجـيـجــنــــــا "         
وأضـرب صـفـحـا عـنْ بـقـيّـة مـا نـعـــــى

وعـبـد الـعـزيـز الألمـعــي ، وأحـــمـــــد        
وقـبـلـهـمـا قــال الـسـكـونـي فـأوْجــعــــــا

وعــادوا بـألــوان مـن الـفـضـل أسّـسـتْ          
فـجـيـج بـهـا صـرحـا مـنـيـفـا .. تـصـدعــا

عـلى يـد هـذا الـرهـط ، سـاء صنـيـعـهـم          وكـل
شـريـك أسـود الـقـلـب ، أوضــعـــــا

بـهـم تـضـرب الأمـثـال في كـل خــزيــة          ومـا
جـنّـدوا إلا ذئــابــا وأضــبــعــــــــــــا

سـنـٍـســحـقـهـم طـرا ، وبـعـد نـدوسـهـــم         
ويـجـْرفـهـم نـقـسـي كـما المـوْج خــشْـلـعــا[1]

 

******

 

إلى نقبـاء الـشـــر أهـــدي قـصـيـدتـــــي         
وأنـثـر شـوك الـصـد  في وجـه مـن سـعــى

فـأعرفـه إن جــازنـي بــــشــــــــــــروره
                 ومــن يـرْمــه شــوكــي سـيـنـفــكّ
أظـلـعــــا

فــإنْ يـك حـبـي يـا فــجـيـــج مـقــدّســــــا        
فـــمـا حـبــهــم إلا ضـــلالا مــقــنــعـــــــــا

ورعـيـا لأهـل الـعـقـل ضـجّــوا وأنـكـروا                
وللـشـرفـاء اســتـنـكـروا مـا تـرجّـعـــــــــــا

وخـافـوا عـلـى الـتـاريـخ إنْ جــدّ جـدّهــم         
يـصـيــر هــراء ، أو تـراثـا مـضـيّعــــــــــا

 

فجيج :
محمد بوزيان بنعلي

 

 



[1] الخشلع : كلمة أمازيغية ، بمعنى الأوساخ ، أو بقايا
الأشياء وأرذلها  ، والغثاء



22/05/2012
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 63 autres membres